قصيدة ماوراء المغنى للأستاذ جاسم الصحيح أجاد فيها العزف على اوتار الحروف وانا على يقين بأنه سيجعلكم تحلقون حيث البعيد مسكونين بالدهشة والجمال
على السُّهولِ التـي تمتـدُّ فـي لغتـي ** ما زال ينمـو معـي عنقـودُ موهبتـي
«بضعٌ وعشرونَ» شَدَّتْ رحلَها.. وأنـا ** أنا..المعتَّـق فـي إبريـقِ تجربـتـي!
والأحجيـاتُ بحجـمِ العُمْـرِ تُوثِقُـنـي ** في سَكْرَةِ البحثِ عـن مفتـاحِ أجوبـةِ
أنا المعتَّقُ في الإبريـقِ.. مـا انْفَرَطَـتْ ** روحـي مـن السُّكْـرِ إلاَّ قيـدَ أُحْجِيَـةِ
مـا للقصائـدِ مـن حَـدٍّ لأختمَـهـا.. ** يفنَـى خيالـي ولا تفنَـى مُخَيَّلَـتـي!
في صِحَّةِ «الشِّعرِ».. ألوي من زجاجتِهِ ** جيداً وأسكبُ «تشبيهـي» و«توريتـي»
لِي خمـرةٌ شابَهَتْنـي فـي غوايتِهـا.. ** من «تاءِ تأنيثِها» استوحيـتُ قافيتـي!
كأنَّنـي - والحُمَيَّـا حيـن تُرْعِشُنـي- ** عَلِقْتُ مـا بيـن أسـلاكٍ «مُكَهْرَبَـةِ»!
طيرُ النبـوءةِ لـم يبـرحْ يُشَبِّـهُ لـي ** فـي الحُلْـمِ أَنِّـيَ مخلـوقٌ بأجنحـةِ!
وحدي ولكـنْ أُشَظِّـي وحدتـي بَشَـراً ** فيَنْطَـوي فـي فـؤادي كـونُ أفئـدةِ!
صَلَّيتُ للخلقِ.. كلِّ الخلـقِ.. واتَّسَعَـتْ ** لماَ وراء خطـوطِ الطـولِ، صومعتـي!
همسُ النسيمِ.. خريرُ النَّهْرِ.. زغردةُ الـ- ** عصفـورِ.. هـذي ترانيمـي وأدعيَتـي
في قلبـيَ الكُـرَةُ الأرضيَّـةُ انْمَسَحَـت ْ ** مـن الخطـوطِ فقلبـي وحـدةُ الكُـرَةِ!
من أجلِ كـلِّ الحُفـاَةِ العابريـنَ علـى ** دربِ الحيـاةِ سأمشـي دون أحـذيـةِ!
حُبًّـا لهـذا الثـرى.. حُبًّـا يُمانعُـنـي ** أنْ أهتـدي بنجـومٍ غيـرِ مُوحِـلَـةِ!
والحـبُّ يشهـدُ أنِّـي فـي وثائـقِـهِ ** أسجِّـلُ الأرضَ مـن أفـرادِ عائلـتـي
***
«بضعٌ وعشرونَ».. فَصَّلتُ الجناسَ لها ** تفصيلَ «زِيٍّ» على أعطافِ «عارضـةِ»
أهديـتُ للرَّمـزِ طربـوشـاً يُظَلِّـلُـهُ ** ومـا بخلـتُ علـى المعنَـى بِقُبَّـعَـةِ
ذاتـي إذا مـا نَـأَتْ مـقـدارَ قافـيـةٍ ** عنِّـي، دَنَـوْتُ إليهـا قـابَ نَرْجِسَـةِ!
يأبـىَ لِـيَ الفَـنُّ أنْ آوي إلـى حَجَـرٍ** مـا لـم أُغـاَدِرْهُ مسكونـاً بِلُـؤْلُـؤَةِ
لا أدَّعي الوحيَ عُلْـوِيَّ المـدَى، فأنـا ** لـم أنتسـبْ لِسمـاءٍ غيـر جمجمتـي
نقصٌ من الريشِ في روحي يَهِـمُّ بهـا ** نحـو التـرابِ إذا هَـمَّـتْ بِرَفْـرَفَـةِ!
ما أتعسَ الغصنَ حظـاًّ حيـن تفطمُـهُ ** فأسٌ ويكبـرُ فـي أحضـانِ مقلمتـي!
«بضعٌ وعشرونَ» سهماً كنـتُ أطلقُهـا ** صوبَ الحقيقـةِ مـن أقـواسِ أسئلتـي
والشـكُّ فـردٌ وحيـدٌ لا نصيـرَ لــهُ ** يلـوي بميمـنـةٍ مِـنِّـي، وميـسـرةِ
ليـتَ اليقيـنَ الـذي طالَـتْ أظـافـرُهُ ** يَحُكُّ ما لم أَطَلْ من ظَهْـرِ وَسْوَسَتـي!
إنْ صحتُ: آهِ! تَشَظَّى الأُفْقُ عـن حُفَـرٍ ** غيبـيَّـةٍ، وتوابـيـتٍ وأضـرحــةِ!
في خارجي ألـفُ حـربٍ قادَهـا بَشَـرٌ ** وداخلـي ألـفُ حـربٍ بيـن آلـهـةِ
لـو كـان للسَّهـمِ أنْ يرتـدَّ ثانـيـةً ** حَطَّمتُ قوسي ومـا كَـرَّرتُ معركتـي!
عدالـةُ الريـحِ فـي توزيـعِ ثروتِهـا ** تُغري بِـأَنْ أَتَمَنَّـى الريـحَ مقبرتـي!
***
حسبي من الغيـبِ دربٌ كنـتُ أقطعُـهُ ** مـن المشيئـةِ حتَّـى كـفِّ قابِلَـتـي
عَبَـرْتُ بالنَّهْـرِ مخفـوراً فأَوْقَفَـنـي ** في الضِّفَتَيـنِ علـى مَهْـدٍ وشاهِـدَةِ!
بئسَ «العبورُ»! نَزَفْتُ «الأربعيـنَ» لـهُ ** ومـا أَزاَلُ أُوَفِّـي أَجْـرَ «تذكـرتـي»
لا حبـلَ أعقـدُ آمـالَ النـجـاةِ بــهِ ** إذا الهُوِيَّـةُ أَضْحَـتْ «بئـرَ» هاويتـي
أمتـدُّ مثـل جـهـاتِ الأرضِ باحـثـةً ** عـن ذاتِهـا دون أنْ آوي إلـى جهـةِ
«بضعٌ وعشرونَ».. أمشي في مناكبِهـا ** مشيَ العواصفِ إذْ فَوْْضـاَيَ خارطتـي
فمـا ائتلقـتُ ولونـي لـونُ سنبلـةٍ ! ** وما اهتديـتُ وطولـي طـولُ مئذنـةِ!
مُزَمَّلٌ في مـزاجِ الريـحِ حيـث دمـي ** لا يحتـفـي بجِـيـادٍ غـيـرِ نـافـرةِ
هذي تضاريـسُ روحـي لـوْ تَسَلَّقَهـا ** وَعْــلٌ لـعـاَدَ بِـأقـدامٍ مُجَـرَّحَـةِ
لا يعرفُ النَّاسُ منِّـي غيـرَ حنجـرةٍ..** يا ليتَهُمْ عَرِفوا مـا خلـف حنجرتـي!
أنـا الجمـالُ الـذي عينـاهُ تُنـكِـرُهُ.. ** هل بعد ذلـك للنُّكـرانِ مـن سَعَـةِ؟!
حقـلٌ ولكـنْ تَخَلَّـتْ عنـهُ غابـتُـهُ ** فجَـفَّ مـن لَمَعـاَنِ القمـحِ والـذُّرَةِ
سكنتُ إسمي فكان الإسـمُ لِـي وَطَنـاً ** ولـم أغـادرْهُ منفيـاًّ إلـى صِفَـتـي
لا تنسبوني إلى «البئرِ» التي اشْتَرَكَـتْ ** في ظُلْمِ «يوسفَ».. لا تستغفلوا «أَبَتِي»!
لا تبحثوا وَسْطَ «رحلي» عن مآربِكُـمْ.. ** فمـا هنـاكَ «صـواعٌ» بيـن أمتعتـي
بلى..«شماغي» دماغي لسـتُ أنزعُـهُ ** من فرط ما اتَّحَدَتْ رأسي و«أشمغتـي»
بلى..ترابـي ثيابـي حيـث ينسجُـهـا ** لـيَ المكـانُ ويرفـوهـا بعاطفـتـي
يا «أخوةَ» القلبِ.. لـم أبـرحْ أُعَوِّذُكُـمْ ** في الحـبِّ أنْ تخلطـوا مِلْحـاً بِسُكَّـرَةِ
إنِّي صفحـتُ.. فـلا تستنهضـوا سَبَبـاً ** يسعَـى إلـيَّ علـى أقـدامِ مـعـذرةِ
ما كان «يوسفُ» أحلىَ فـي وسامتِـهِ ** مـن الوسامـةِ فـي صَفْـحٍ ومغفـرةِ