.
.
كم سيكون جميلاً لو أن هناك حفرة استطيع أن أرمي فيها هذه الأوزار التي أثقلت قلمي، ولم يعد يستطيع النطق بحرفٍ ساكن أو متحرك.
كم سيكون جميلاً لو أننا استطعنا "صناعة الحب" على الطريقة القديمة بلا مكونات وبلا مواد حافظة وبدون أن نطبع عليه تاريخ صلاحية سنُصاب بالوجع بعد انتهائه.
وكم سيكون جميلاً حين تقرأ هذه الكلمات بتجرد، وبدون أن تقول أن (ك) الخطاب و(هـ) الغائب أنت، وأن (ت) الفاعل و(ي) المتكلم أنا، فكل الضمائر هنا مستترة وكاذبة كراقصة توحي للجميع أنها ترقص لهم.. وهي لا ترقص إلا لنفسها.
سيكون هناك أملاً خلف الباب الموارب للإنتظار حيث سئم الحب الذي أصبح (صناعة عربية) نفتخر بصناعته كأي منتج ننزع ملامحه ونعيد تدويره بكل وحشية، ولنقول أننا قادرون على صناعة العجز والكذب، وقادرون على كل شيء إلا الحب. قادرون على الوقوف أمام الحواجز دون أن نحاول القفز عليها، وقادرون أيضاً على مسك الأقلام والخربشة على الجدران وكتابة أقوى كلمة عربية تعلمناها "قـــــــادمون" ونحن نمارس الهرب بكل فضائحية أمام تلك الحروف.
عربيٌ أنت بكل صورك، وبكل أطرافك المبتورة، حتى كوب قهوتك الذي تدّعي أنه "غربي" تلوث بهوائك العربي وبخياناتك العربية وبرشفاتك المتوالية لدم أنثى لم تفعل سوى أنها أعلنت الولاء لوطنك الذي أعتاد على ملء المنافي بمن يصرخون عالياً امامك، لكنك كنت تسمع الصراخ –كالعادة- ولا تسمع ما كنتُ أصرخ به.
ساعات ستمر وأنا جالسة أنتظر السماح منك بعد ان فرضت علي حضر التجول فيك، فنحن لا نجيد إلا الاختباء وراء النوافذ، ولا نجيد سوى الصمت حين تبدأ النيران بالاشتعال تاركين الشوارع للريح تكنس ما تبقى من جرائمنا وتخاذلنا وانكساراتنا أمامها، لا نجيد سوى تهشيم قلب وطنٍ تنازعو عليه وتقاسموه وأهدوه للشياطين قرباناً، ولم يُبقوا لنا سوى النزر اليسير الذي منعونا حتى من الاقتراب منه بوضع الأسلاك الشائكة، وحين نحاول الاقتراب نتعرض للمنع والقصف والموت.
لا تحاول أن تكتب حرفاً هنا، فأنت نكرة لا تستطيع كل علامات التعريف أن تعطيك هوية محددة، فانت مصادرٌ وخائنٌ وعاصي إذا حاول حرفك أن يتجاوز سقف الكتمان المفروض علينا مئة مرة في اليوم وآلاف المرات في الدقيقة.
ستُعَلْب كل أفكارك وستقسّم ذاكرتك على قطّاع الحرف، وستأتيني خالي الوفاض من كل شيء حتى (أنت)، ستأتيني تُعلِن كل الانهزامات الفارغة، وتشتم كل الطرق التي توحدت فيها ذات جنون.
فلا تحاول أن تسلك طرق الذاكرة الوعرة، فأنا سأتبعك بكل أيماني الناقص وبكل آثامي البارزة، فأنا (عربيـــــــة) فيك حدّ النخاع.